الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

التليفزيون والنحافة


أظهرت أحدث الدراسات الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية أن التلفزيون هو العامل الرئيسي المسبب في :" إصابات المراهقات باضطرابات الأكل و النحافة"، و قد أكد العلماء في كلية هارفارد الطبية أن معدلات الإصابة باضطرابات الأكل وضعف الثقة بالنفس وعدم الرضا عن شكل الجسم وصورته العامة زادت بشكل كبير بين الفتيات منذ أن تعرفن على التلفزيون ..و أكد الباحثون أن الكثير من الفتيات ممن :" يملكن أجساما عريضة وشهية جيدة بصورة تقليدية ووراثية يملن إلى تشجيع أنفسهن على التقيؤ بعد تناول الطعام رغبة في السيطرة على أوزانهن, أو يتجهن لبرامج الحمية السريعة وغير الصحية لإنقاص أوزانهن والتخلص من السمنة". ولاحظ هؤلاء أن الفتيات اللاتي يعشن في بيوت تملك جهاز تلفزيون أظهرن أعراضا لاضطرابات الأكل بمعدل :" أكثر بثلاث مرات من غيرهن". و أوضح الخبراء أن سبب هذا التوجه لدى البنات يعود إلى :" إعجابهن بالشخصيات التلفزيونية والممثلات والعارضات والرغبة في تقليدهن والوصول إلى مستوى رشاقتهن, أو إلى رغبتهن في ارتداء ثياب الموضة أو الدخول إلى مجالات الفن والإعلانات المصورة. 
و في الإطار ذاته و بشكل متوازي ..تبين للباحثين بعد متابعة مجموعتين من بنات المدارس في جزر فيجي الباسيفية بين العامين 1995 و1998 -أي قبل وبعد إدخال التلفزيون فيها أن عدد الفتيات اللاتي :"يسيطرن على أوزانهن بالتقيؤ كان صفرا في عام 1995, غير أنه زاد بنسبة 11% بعد ثلاث سنوات من انتشار التلفزيون" !
و في بريطانيا أشار ت دراسة علمية حديثة نشرتها المجلة البريطانية للطب النفسي إلى أن :"للتلفزيون تأثيرا سيئا على الفتيات وخاصة عند الجلوس أمامه لفترات طويلة"
و وصفت تلك الدراسة فتيات الإعلانات بأنهن :"قنابل موقوتة في المنازل "... 
و لا يختلف المشهد كثيرا في بلادنا ..حيث تغص عيادات التجميل – و خصوصا في السنوات الأخيرة - بفتيات صغيرات متأثرات بسحر التلفزيون و فتيات الفيديو كليب و برامج تلفزيون الواقع التي تخصص حيزا هاما لمتابعة جسد المرأة من خلال التركيز على المتباريات في مسابقات الجمال و الأزياء و الرقص و الغناء.. و هؤلاء المراهقات يلجأن إلى أساليب متعددة غير صحية و صحيحة للحصول على قوام رشيق و جسد مثالي في محاولة منهن للتشبه بهذه الفنانة أو تلك تحت وطأة الإحساس بأهمية الحصول على الجمال مهما كان الثمن  و الرفض لمظهرهن و عدم الرضا عن شكلهن و أجسادهن بسبب شعورهن بالإحباط و اليأس بعد مشاهدة "الموديلز"اللواتي يتسللن إليهن عبر التلفزيون كنموذج مثالي للمرأة الجميلة..خاصة و أن الكثير من الأهالي يتركون بناتهم المراهقات لوقت طويل أمام التلفزيون لأنهم يفضلون أن تقضي البنت أوقات فراغها في البيت و تحت أنظارهم معتقدين أنهم يسيطرون باطمئنان على تربيتها بهذه الطريقة .. لكنهم لا يدركون في الوقت نفسه أنهم بذلك يكرسون ثقافات خاطئة و ضارة و غير واقعية يبثها التلفزيون حول المرأة و جسدها تجعل الفتاة المراهقة تنجذب حتما إلى نماذج غير صحيحة للمرأة و تتأثر سلبا بها فتبالغ في الاهتمام بمظهرها إلى درجة غير مقبولة حيث تلغي عقلها تماما حين تلجأ إلى حلول سلبية في سبيل الحصول على قوام رشيق.لكونها تعتقد في اللاشعور بأن المجتمع يتعامل مع المرأة على أنها سلعة و ليست قيمة كما يفترض..







وهذا خطأ شائع يقع فيه الكثير من الأهالي في المجتمعات العربية المحافظة التي تفضل أن تقضي البنت أوقاتها داخل المنزل و كيف تشاء لصرفها عن التفكير بالخروج و الاستمتاع بنزهة ما مع صديقاتها ..و لذلك تتسمر الفتاة أمام التلفزيون لعدة ساعات يوميا بلا رقيب و يترك لها الحبل على الغارب في تشرب تأثيراته السلبية وثقافته الضارة غالبا.. و هي لا تزال بعد في سن المراهقة التي يجمع الخبراء و الباحثون و علماء الاجتماع على أنها : "أخطر" الفترات العمرية التي تمر الفتاة من خلالها بتغييرات فسيولوجية و سلوكية و غيرها من التحولات التي تجعل المراهقات يبذلن طاقة لا مثيل لها من حيث الاندفاع و الرغبة في تحقيق الذات من خلال تقليد نماذج التلفزيون... إذ أصبح الجمال في السنوات الأخيرة هاجس كل فتاة تبحث عن شكل جميل و مقاييس مثالية.. و مع تطور الجراحة التجميلية و التركيز الإعلامي على أهمية ما تفعله هذه الجراحة في تصليح عيوب الجسم أصبح كل شيء ممكنا .. 
 تقول احدى خبيرات التجميل  :" لم تعد الفتيات قانعات بما تفعله أدوات الزينة و الماكياج العادية في وجوههن..و بدأن يركضن بشكل غير مسبوق إلى عيادات و مراكز التجميل المنتشرة في كل مكان بغية الحصول على جسم متناسق المعايير و وجه خال من العيوب الخلقية"!
..
و هذا الأمر يركز عليه "الإعلام بشكل لافت" – وتضيف :"  و يكرس في أذهان المراهقات أهمية الحصول على الرشاقة و الجمال على أنه حق لهن لرفع معنوياتهن ..خصوصا و أن الجميلات يأخذن الحيز الأكبر من اهتمام الفضائيات في حين يقل اهتمامها على "الذكيات أو المتفوقات"..و لذلك كرس الإعلام هيفاء وهبي و أليسا و نانسي عجرم و نورهان و ماريا و غيرهن "كنماذج مثالية للجمال و النجاح و الشهرة لدى الفتيات"،و خلقت من "أسمائهن رمزا للجمال و الأنوثة و الإغراء" تسير على خطاه "الكثير من فتياتنا المراهقات".. ولكى نتوصل الى حل لهذه المشكلة لا بد من الاتفاق أولا على أن التلفزيون هو الوسيلة الأكثر انتشاراً وجاذبية لنقل المعلومات والمعرفة والتجارب و الثقافات بين المراهقين على اختلاف ظروفهم الاجتماعية و الاقتصادية و التعليمية..و تؤكد آخر دراسات "اليونيسيف" أن المراهقات يقبلن على مشاهدة :" المسلسلات وبرامج المنوعات والبرامج الدينية وتلك التي تخاطب المرأة.." وانتقدت دراسة "اليونيسيف" عدم اعتراف الإعلام العربي عموماً بأن :" المراهقين فئة في حد ذاتها, لهم حاجاتهم الإعلامية الخاصة"حيث يسود اعتقاد عام بأن :" المواد الإعلامية الموجهة لمرحلة الطفولة المتأخرة تصلح كذلك للمراهقين"!.



و لهذا يجب أن تسارع وسائل الإعلام بالقيام بمسؤولياتها كاملة تجاه المجتمع الفتى  خاصة و أن المرهقات " هن أمهات المستقبل اللواتي يمثلن نسبة كبيرة جدا في البلاد العربية"،و يجب الاهتمام بتصنيع برامج هادفة و توجيهية و تثقيفية خاصة بالمراهقات نظرا لما تمثله وسائل الإعلام من وسيلة إقناعية و مؤثرى لديهن، وضرورة مراعاة الأهل للفتاة المراهقة في هذه المرحلة العمرية و خاصة الناحية الصحية لأنها لا زالت تحتاج لتلك الرعاية رغم اعتبارها " ناضجة" ، بغية مساعدتها على تجنب " أمراض ناتجة عن سوء التغذية و الريجيم القاسي" و تشجيعها على ممارسة "الرياضة و قراءة الكتب الصحية و تنبيهها إلى وجوب الاهتمام بصحتها الجسدية عبر اتباع الوسائل الطبيعية لا التجميلية أو الجراحية " و هذا ما سينعكس بشكل إيجابي على جمالها وحيويتها و صحة بشرتها وشعرها وقوامها.. 
دكتور سمير محمد البهواشى



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق